وقفة مع الغلاف
صديقٌ حبيب، ربما ابتسم قلبي كلما لمحتُه في المكتبة. وكلما هممتُ بإصلاح علاقتي مع الكتب و وقفتُ أمام الأرفف، تعرّض وتطاول لي لآخذه، وكأنه يعرف أنّ له في القلب مكانًا.
غلافه أحمر محاط بزخرفات تقليدية عريضة اِحتضنت العنوان المكتوب بخط الرقعة الرقيق. كلمة قراءات بألفاتِها ومدّاتها يمتدُّ به الصوت ويطول. وأما رسم حروفها وميلانها فيدعو إلى الاسترسال بأريحية، وكأنّ الكلمة بصوتها ورسمها تحكي:“هلاّ “ استمتعنا بصحبة النصوص بقراءات محتملة وليست تفسيرات حتمية، بقراءات لا ننتهي بها إلى قول فصل أو معنى واحد، بل تذهب بنا إلى معان عدّة؛ تتجدد يوما بعد يوم، وتختلف من شخص إلى شخص، وتتبدل من حال إلى حال.
أنتِ مدعوةٌ للمشاركة في حفلة المعاني.. هذا ما أخبرني به عنوان الكتاب.
قراءات ونصوص .. يا ترى لماذا تقدمت كلمة قراءات على كلمة نصوص؟ أليس النص أسبق في الوجود؟ بلى، ولكن في هذا الكتاب الأسبق في الوجود هو القراءة. القراءة هي السبب في اختيار النص، وهي التي قدمته هنا وأحضرته، ولولا قراءة القارئ لما حضر في هذا الكتاب. فليتصدّر النص في دواوين الشعراء ومع أول نشر له بل وليتفرّد، لكنه ليس له أن يتصدّر بعد ذلك.
أسفل من ذلك العنوان تأتي كلمة ” في الأدب العربي” بخط نسخ رصين وحُقَّ لها، تتربع على عرش أسماء أساتذة أجلّاء بذلوا جهدا في “الدراسة والاختيار”، وكم لهاتين الكلمتين من ثقل ووزن وتأثير!
وما إن أرى كلمة ذات السلاسل أسفل الغلاف حتى تلوح لي رايات تاريخ مجيد، وما إن تقع عيني على اسم دولة الكويت حتى تبرز أمامي مجلة العربي، لذلك حين أقرأ منشورات “ذات السلاسل ـ الكويت” أشعرُ حينها بأني في حمى التاريخ والثقافة.
يبدو أنني هكذا استقبلتُ الكتاب، تلقيتُ كل تلك الرسائل بنظرة غير مدركة لكل تلك التفاصيل في حينها، وعلى حين غفلة من الوعي.
لكن كل تلك التفاصيل لم تكن الدافع الحقيقي لشراء الكتاب، لأن السبب وراء شرائه وببساطة شديدة إن لم يكن بسذاجة وتسرّع، أنني كنت في تلك الفترة أشتري أي كتاب يحوي قصائد وتحليل أدبي لها، هذا كل ما في الأمر. وأذكر حينها أنني تفاجأت بعد شراء الكتاب أن بعض النصوص هي المشروحة وليس كل النصوص، وأن الكتاب يحوي شعرا ونثرا وكنت أريد الشعر فقط. و فهمت أن الكتاب عبارة عن محاضرات جامعية طُبعت في هذه النسخة الفاخرة، وأذكر أنني لاحظت كثرة الأخطاء الطباعية ـ لا أذكر طبيعتها بالضبط ـ استنتجت حينها أنها قد تكون نتيجة الإسراع في طباعة الكتاب وعدم إعطائه المراجعة الكافية قبل الطبع، ومع ذلك كان من الكتب المحببة لي على ما استنكرته حينها من نفسي ومن الكتاب.
وبما أنني قد اخترت لنفسي أسلوب “التساهيل” في الكتابة؛ لأشجع نفسي على الاستمرار بالتخفّف من الضبط والتصويب، فإن آخر ما كتبته بشأن الملاحظات على الكتاب هو من الذاكرة، وعندما أشرع في قراءة الكتاب في قابل الأيام سأعيد تقييم ملاحظاتي تلك، وسأشارككم إياها ولربما تكون قد تغيرت نظرتي لها بعد تلك السنين.
في هذه التدوينة وقفتُ عند غلاف الكتاب وبعض الانطباعات حوله، والخطة في التدوينة القادمة أن أستطلع الكتاب بالقدر الذي يسمح لي به. والهدف أن أعيدَ قراءة أحد الكتب التي #يعلوها-الغبار في مكتبتي.