المدونات ينبغي أن تكون ممتعة!
Edit Content
نبذة عنّي
كاتبة المحتوى مريم بازرعة
مريم بازرعة

على مدى عشرين عامًا درستُ اللغة العربية وعملتُ في مجال التّعليم والتّدريب وخضتُ كتابة المحتوى.

والآن، اخترتُ أن تكون الكتابة حياتي ووسيلتي لنشر المعرفة وأن أساعد من يريد تعلّم الكتابة الرّقميّة لإتقانها ولتكون وسيلته لتحقيق أهدافه الشخصيّة والمهنيّة.

النشرة البريدية

وسائل “التّمويه الاجتماعي”

 صورة مكتوب عليها وسائل التّمويه الاجتماعي

قرأتُ قبل يومين تغريدةً في تويتر تحوي بيتَ أبي الطيِّبِ الذي يقول فيه:

حُسْنُ الحضارةِ مجلوبٌ بِتطْريةٍ      وفي البداوةِ حسنٌ غيرُ مجلوبِ

 

فجرَى على لساني تلقائيًا بيتٌ آخر من القصيدةِ نفسِها:

ومِنْ هوى كلِّ مَنَ ليستْ مُموَّهةً     تركتُ لونَ مشيبي غيرَ مخضوبِ

لا يُمكنُ تجاوز أبياتِ أبي الطيب دونَ تأمّل. استوقفتني كلمةُ “مموهة”، وتساءلتُ: هل نحنُ مُموّهون في زمنِ وسائل التواصل الاجتماعي؟ وإلى أي مدى نمارسُ هذا التمويه؟

يقصدُ المتنبي بـ “المموهة” المتزيِّنة بما ليس فيها أصالةً، ويُفسَّر ذلك بالبيت الذي قبله الذي يقولُ فيه:

أفدي ظباءَ فلاةٍ ما عرفْنَ بها         مضغَ الكلامِ ولا صبْغَ الحواجيبِ

فالمموهةُ عند المتنبي هي من تتحلى بما ليس فيها[1]، بمن تتكلفُ الحسنَ بصبغِ الحواجبِ والتغنُّجِ في الكلام، وهو يقصدُ بذلك نساءَ الحاضرة. وهو يفضّلُ البدويات ذوات الحسنِ الطبيعي الصادقِ غيرِ المتصنّع. ولأنه يحب الصدق والوضوح؛ فهو لا يصبغ شعره، ولا يستخدم الخضاب لتغيير بياضه.

وتمويهُ الشيءِ في اللغة: طلاؤهُ بفضةٍ أوذهبٍ وليس جوهره منها. ممّا يعني أن التّمويه يحْمِلُ معنى تحسين المظهرِ بما ليس فيه. فهل يعني ذلك الخداع؟

مبدئيا نقول -وقد يحتاجُ الأمر إلى بحثٍ أكثر- أنّ التمويهَ تحسينُ الشيء وتجميلُه وإظهارُه بحُسْن ليس فيه أصالةً، وقد يتسبّبُ ذلك في الخداع، وإن كانت النيةُ السيئة غيرَ موجودة ابتداءا.

وأما الخداع فهو: إظهارُ الشخص خلافَ ما يُبطن، وإضمارُ المكروه له، ليأتيَه من حيث لايعلم. ويُقال خدعه: أوقعَ به الأذى من حيث لا يدري.[2]

ومفردات التمويه والخداع تستدعيان مفردة الكذب. وأذكرُ أن هناك فيلمًا عربيًّا قديمًا كان اسمُهُ “أنا لا أكذبُ ولكني أتجمّل”، يحكي حكايةُ شابٍّ يظهرُ بهندامٍ وهُويةٍ اجتماعيةٍ مغايرةٍ لحقيقته، ثم اكتشفتْ صديقتُه أوربما حبيبتُه -لا أذكرُ بالضبط- حقيقتَه، وأنها ليست كما يبديه، واتهمتْهُ بالكذب، فما كان منه إلا أن وضّح لها وجهةَ نظرِهِ قائلًا: “أنا لم أكذبْ قط، إلا إذا اعتبرنا إن أحمرَ الشفاهِ الذي تضعينَه على شفتيكِ، وذهابَك لمصفِّفِ الشعرِ كذِبٌ أيضًا؛ لماذا يقولون على البنت التي تذهبُ لمصفف الشعر أوتضعُ أحمرَ شفاهٍ إنها لا تكذب وإنّما تتزين؟ وأنا أيضا لا أكذب؛ مظهري وكلامي عن أهلي كان مجرد تزيينٍ وتجميلٍ اجتماعي”.

لو حاولنا أن نقدر وقتَ التمويهِ في ذلك الزمن، وتساءلنا: كم من الوقت كان يظهر ذلك الشاب بالمظهر المموّه أوالكاذب؟

الجواب: في الأوقات التي يلتقي بها صديقته، أو أصدقائه على أرض الواقع.

نكملُ تقديرَ وقتِ التمويهِ في الزمن الحالي، ونتساءل: كم من الوقت نستطيع أن نموّهَ أنفسَنا بالمظهرِ الكاذب حاليا على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي؟

الجواب: على مدى اتصالنا بالشبكة، ومع كل وجود لنا على تلك المواقع؛ مع كل صورة نصورُها لأنفسنا أو لما يخصُّنا على السنابشات، ومع كل كلمةٍ تزينُنا في أعينَ الآخرين بما ندّعيه من خير وحسْن، مع كل كلمة نتبنّاها أو صورةٍ نظهرُ بها، وهي لا تحكي تجربتَنا ولا واقعَنا.

ثم هل نمارسُ ذلك عن وعيٍ أو عن غيرِ وعي؟ عن قصدٍ أو عن غيرِ قصد؟ وهل ندركُ أثرَ ذلك علينا وعلى من حولِنا؟

وأخيرًا، هل نستطيعُ أن نقولَ: إن وسائلَ التواصلِ الاجتماعي، في جزء لابأس به من استخدامها “وسائلُ تمْويهٍ اجتماعي”؟ أنا لا أُقَرِّرُ شيْئًا ولكنِّي أتأمّل.

ويستمر التأمّلُ والتساؤل، ومازال فحص الفرضية مستمرًّا.


[1] حب الزينة أمر فطري عند المرأة، وذلك مذكور في القرآن قال تعالى:”أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ”، وإباحة الزينة للمرأة معروفة ولها ضوابطها الشرعية.

[2] معجم المعاني على الشبكة العنكبوتية.


التاريخ الأصلي للمقالة

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نبذة عن الكاتبة
كاتبة المحتوى مريم بازرعة
مريم بازرعة

تعلّقتُ بالقراءة قبل أن أتقنها، وعلى مدى ثلاثين عامًا خضتُ الكثير من التجارِب واكتسبتُ خبراتٍ متنوّعة، وكانت الكتابة رفيقتي الهادئة طوال تلك الرّحلة.

والآن، اخترتُ أن تكون الكتابة حياتي ووسيلتي لتزكية العلم ونشر المعرفة ومساعدة من يريد أن يتعلّم الكتابة ويكتب مدوّنته؛ ليشارك معرفته ويعزّز علامته الشخصيّة ويحقّق تميّزًا في حياته المهنيّة والعمليّة.

النشرة البريدية

أحدث المقالات