نشرتُ البارحة في منصّة X حصولي على شهادة حضور دورة تدريبيّة في الكتابة الإبداعية فرعي القصّة والرواية، فاقترحت علي العزيزة الطبيبة الأديبة ندى عباس أن أكتب تدوينة عن حضوري لتلك الدورة.
وفي الحقيقة لا أحفلُ كثيرًا بالشّهادات لكنّ عندما وصلتني -وكانت قد وصلت متأخّرة بعض الشيءـ فرحتُ وتذكّرتُ التجربة الجميلة فأحببتُ أن أشاركها في تويتر.
هل تريدين أن تصبحي قاصّة؟
أفترضُ أن هناك من يسأل هذا السؤال.
لا، ليس هذا هدفي الرئيس من الدورة.
لقد سيطرت علي فكرة أن أزيد ممارستي للكتابة؛ فقد قرّرتُ أن يكون عام ٢٠٢٤ هو عام التّشبّث بالكتابة، وأن أكتب كثيرًا. ورأيتُ أن التحاقي بدورة تدريبية في الكتابة ذات مهام كتابيّة سيجعلني أكتب أكثر وأكثر، بالإضافة لما أكتبه يوميًّا.
لماذا أريد أن أكتب كثيرًا؟
لأنّي أشعر بأنّني فقدت الكثير بعدم الكتابة المنتظمة في السنوات الماضية، وأريد أن أعوّض ذلك بمزيد من الكتابة، لا أعلم مدى سلامة هذا التفكير، لكنّي أريد أن أنفق ساعات أكثر مع الكتابة، وهو السبب نفسه الذي دعاني إلى أن أقدم على تحدّي ٣٠ يومًا مع الكتابة.
وهناك هدف مرافق للهدف الأساسي وهو أنّني أريد أن أجرّب أنواعًا أخرى من الكتابة، وبالمناسبة هذه ليس أوّل مرّة أحضر فيها ورشة حول الكتابة الإبداعية، فقد حضرت مرّة ورشة عمل كتابة القصّة القصيرة جدًا.
لماذا اخترتُ ورشة الكتابة الإبداعية هذه تحديدًا؟
وصلتُ إلى هذه الدورة من خلال الفيسبوك، كنت أبحث عن فيه عن ورشة كتابة قصة، ومررتُ على عدد من الورش والدورات التدريبيّة ثم توقّفت عند صفحة ورشة الكاتب أحمد المنزلاوي للكتابة الإبداعية، كان ذلك في الصّباح فأرسلتُ رسالة واتس لأسأل عن الورشة فوجدتُ نفسي أحضر أوّل لقاء في اليوم نفسه.
كيف وجدتِ ورشة الكتابة؟
ورشة رائعة ومفيدة واستمتعتُ بها جدًّا؛ الدكتور أحمد المنزلاوي متمكّن مما يقدّم، فهو قاصّ وروائي وناقد وكاتب مقالات، وهو ممتلئٌ علمًا ويعطي من فهم عميق لما يقدّمه، يظهر ذلك بوضوح عندما تسأله ليجيبك بالأمثلة والشواهد والربط.
وأعجبني جدًا أنّه دعانا إلى أن نتعامل مع كتابة القصّة ابتداءًا كلعبة، لقد كان لذلك المنظور لكتابة القصّة أثر كبير على كتابتي واستمتاعي أثناء الكتابة.
حقيقةً كان في الدورة الكثير من المفاهيم الجديدة علي حول كتابة القصّة، ومن ذلك أنّ هدفنا من كتابة القصة هو الإمتاع وليس الفائدة، فإن شئت أن تقدّم فائدة فاكتب مقالة أو قدّم خطبة، أمّا القصّة والرواية هي للاستمتاع.
فإن جمعت بين المتعة والفائدة فهذا شيء رائع، لكن لا تضع في ذهنك أنّك ستكتب قصة أو رواية لتفيد النّاس أو تعظهم.
وللدكتور أحمد المنزلاوي كتاب جميل بعنوان كيف تكتب رواية أو قصّة قصيرة، وهو كتاب ممتع حقيقةً وتتعرّف فيه على أسرار الكتابة الإبداعية، وهو يحوي تمارين للتدريب. أحببتُ الكتاب وأنوي قراءته مرّة أخرى إن شاء الله.
ومن نصائحه بأنّ من يريد أن يكتب القصّة القصيرة عليه أن يقرأ ليوسف إدريس، ومن يريد أن يكتب الرواية أن يقرأ لنجيب محفوظ.
كان هناك جانب تطبيقي في الدورة متمثّل في أنشطة كتابيّة أثناء اللقاء وتكليفات كتابية نسلّمها لاحقًا.
سأشارك معكم أوّل نصّ كتبتُه وسأعرضه كما هو دون تغيير، كان التكليف عبارة عن صورة عرضها علينا وطلب أن نكتب قصّة نستلهمها من الصورة.
سأنشرُ قصّتي المتواضعة هنا لأوثّق أوّل قصّة كتبتها، لأرى بداياتي إذا أصبحت قاصّة فيما بعد.
——————————————
سلطة الذرة
تفكّر فاطمة في غداء اليوم منذ استيقاظها، ولعله من الخطأ أن أقول أنها تفكّر في ذلك منذ استيقاظها؛ لأنها في حقيقة الأمر تفكّر في غداء اليوم منذ انتهاء غداء الأمس.
لا بدّ أن يكون هناك طبق سلطة اليوم، لكن يا ترى أي سلطة سأصنع؟
هذا ما تقوله لنفسها.
تسأل زوجها تارةً، تقلّب جميع الاحتمالات الممكنة لما سيكون عليه الغداء، وتتساءل:
هل ستستخدم الخضار التي في الثلاجة؟ أم ستمر على محل الخضار؟ أم ستطلبها من التطبيق؟
كل ذلك يجول في ذهنها بينما تجهّز نفسها وأبناءها لمغادرة المنزل.
وفي كل فترة فراغ يمرّ بها ذهن فاطمة، تملؤه بالتفكير بالسلطة والخضار، وكأنّ هذا الذهن لا يمكن أن يكون فارغًا.
ضغط العمل يملأ كامل مساحة ذهن فاطمة؛ لقد تنحّى الغداء جانبًا لصالح مشاغل العمل.
وبينما هي عائدة إلى بيتها بدأت مسألة الغداء تعود لتحتلّ مساحة تفكير فاطمة، لم يطل الأمر هذه المرّة فقد اختطفت ضحكة طفل صغير يلعب مع والدته انتباهها.
كانت والدة الطفل قد رصّت عرانيس الذرة الخضراء المبتهجة على صندوق خشبي أمامها، توقّفت فاطمة عند تلك الضحكات الجميلة ونستْ كلّ ما تفكّر فيه.
تلقائيًا توجّهت إليهما وكأنّها تريد أن تشارك في مهرجان الضّحك الممتع.
اقتربت فاطمة من بائعة الذرة، وبادرتها بابتسامة تكاد تقف على حدود الضحك، واشترت منها ٤ عرانيس من الذرة، ثمّ واصلت السير إلى منزلها ومازال أثر الضحك ابتسامةً على محيّاها، دون التفكير في أي شيء آخر، لقد كانت هدنة ناجحة مع التفكير الزائد.
صعدت فاطمة إلى شقتها، بدّلت ثيابها، استلقت على كرسيها لترتاح قليلًا، وبدأت تفكّر:
كيف ستطبخ الذرة؟ هل ستصنع حساء الذرة؟ أم سلطة؟
نعم، سلطة.
لكن هل سأستخدم الخضار التي في الثلاجة؟ أم أحتاج شيئًا آخر؟ وبينما هي تفكّر إذْ غفت من التّعب.
لم تنجُ فاطمة من التفكير حتى في غفوتها التي طالت، فقد لاحقها الغداء والسلطة والخضار إلى هناك.
بعد وقت ليس بالقصير فتحتْ عينيها على وقع صوت طبق يوضع على الطاولة، لقد كانت عرانيس الذرة ذهبية تلألأ؛ فقد سلق ابن فاطمة الذرة وقطع على والدته أسباب التفكير الزائد.
صاحت فاطمة سعيدة: ما أريح الفعل وما أتعب التفكير!
—————————————————
كانت هذه التدوينة رقم #١٤ من تحدّي ٣٠ يومًا مع الكتابة.
ساعدْني على الاستمرار في التّدوين اليومي بإهدائي سؤالًا حول كتابة المقالات وتحريرها واللغة العربية، لأكتب عنه تدوينة.
ولا تنسَ الاشتراك في نشرتي البريدية في الصفحة الرئيسة من المدوّنة.
أراكم غدًا في التّدوينة القادمة بإذن الله.
6 تعليقات
جميلة القصة أستاذة مريم👏🏻، بانتظار قصص أخرى 🌸
الله يسعدك يا ندى، بالفعل لازم أستمر.
كنتِ على بالي أثناء الدورة وهو يتكلّم عن السرد والوصف 🤍
قصة جميلة جدا..
فكرت من قبل في كتابة القصة القصيرة لكنني لم أأخخذ الفكرة بجدية، ولم يخطر ببالي أبدا البدء من دورة في الكتابة الإبداعية.
شكرا لمشاركتنا تجربتك والكتابة ل ٣٠ يوما .. أتطلع كل يوم للتدوينة الجديدة.. ميزة تدويناتك أنها أصيلة
شكرًا ريم على تعليقك وسعيدة بملاحظتك الدقيقة عن تدويناتي بأنّها “أصيلة”، لقد تركت أثرًا في نفسي حقيقةً وشجّعتني على الاستمرار 🤍
جرّبي كلّ أنواع الكتابة، ما زلنا نكتشف أنفسنا.
قصة لطيفة جداً يا مريم!
شكرا لك لمشاركتك تجربتك مع دورة الكتابة، عرفتيني على مقدمها احمد المنزلاوي الذي لم اكن اعرفه سابقاً.
و بالتأكيد سأطلع على دورته و الدورة الاخرى التي حضرتها.
كتابة القصة عمل ممتع جداً، استمري في التدريب و المحاولة في هذا المجال يا مريم، حتماً ستبدعين!
أهلًا بثينة،
سعدت بالفعل بالتّعرف على الدكتور أحمد المنزلاوي، اكتبي اسمه في اليوتيوب واطّلعي على ما يقدّمه سيتكوّن لديك انطباع جيد عنه.
كتابة القصة فعلا شيء ممتع خاصّة إذا أخذت الأمر كأنّه لعبة احتمالات وماذا لو؟
شاكرة تشجيعك وتحفيزك عزيزتي بثينة