اكتشفتُ مؤخّرًا أنّني لست الوحيدة التي كنت أبحث عن إجابة لسؤال: عن أي مجال سأكتب في مدوّنتي؟
سأجيبك عن السؤال في هذه التدوينة وسأرفقها بحكايتي في البحث عن الإجابة.
لم أجد -في حدود خبرتي- أنفع ولا أجدى من الاستمرار في الكتابة لكي يعرف الكاتب أو المدوّن مجال الكتابة المناسب له، فكما يُقال: لا يفلّ الحديد إلّا الحديد، نستطيع أن نقول: لن تعرف مجالك في الكتابة إلّا بالكتابة.
إذا داومت على الكتابة سواءً كانت تلك الكتابة لمدوّنتك الشخصية أو كانت خدمة تقدّمها؛ فستقرّبك الكتابة يومًا بعد يوم ممّا يناسبك، وستعرف: ما تريده منها ومالا تريده، وما يناسبك فيها ومالا يناسبك، وما تحبّه من أنواع الكتابة وما لا تحبه، وغير ذلك كثير.
ستُظهر لك الكتابة المستمرّة أشياء لا تعلمها عن نفسك؛ ستكشف لك عن مخزونك اللغوي، عن أفكارك وتنوعها وعمقها، عن المعارف والخبرات التي تكوّنت لديك، عن صوتك وأسلوبك الخاص.
ولربّما أزاحت لنا الستار عن شاعرٍ أو قاصّ، لا نعلم.
أشبّه الكتابة الحرّة والتدوين المستمرّ كمن يقلّب قدر حساءٍ كبير أُهدي إليه بالمغرفة، وهو كلّما أدخل المغرفة وأخرجها رأى أشياء لم يكن يعرف أنّها موجودة، ومع كل غرفة يُفاجأ بما يحتويه ذلك الحساء من مكوّنات وتفاصيل وأشكال وألوان.
دواخلنا أشبه ما تكون بقدر الحساء ذلك، لا نرى منها سوى السطح، ومتى ما أدخلنا المغرفة خرجت لنا بما نتعجّب منه، أمّا إذا أهْوينا بيدنا إلى قاع القدر فسنفاجأ بأشياء مدهشة.
نحن لا نعرف عن أنفسنا إلّا النّزر اليسير، والكتابة تقلّب في دواخلنا؛ عقولنا قلوبنا معارفنا؛ لتخرج لنا مكنوناتنا.
دعك من حساء الخضار ذلك، هل سبق أن رأيت كيف يبحثون عن الذّهب في الأنهار؟
إنّهم يحضرون ما يشبه المنخل ويبدأون في وضع كمّية من الطّمي في ذلك المنخل ويحرّكونه حتى ينزل منه الطّمي الدقيق وتبقى الحصى وشوائب لا تمرّ من ثقوب المنخل الدقيقة، ثم يفحصون ماتبقّى في المنخل بأيديهم باحثين: هل من ذهب؟
هكذا كنت أشاهدهم في التّلفاز، الكثير من الطّمي والطّين والدّقيق من الحصى، وبعد ذلك كلّه قليل جدًا من الذهب الغالي الثمين.
هكذا أرى الكتابة لا سيّما في البدايات، الكثير من العمل والممارسة والكتابة، تفتّش وتنخل وتنقّي وتغربل لكي تصل أخيرًا للجوهر الغالي والمعدن النفيس.
دعني الآن أحكي لك حكايتي، وكيف وجدتُ نفسي أسير في طريق البحث والتنقيب من أجل اختيار المجال الذي أريد أن يكون محور كتاباتي، وما المراحل التي مررتُ فيها لحّل أحجيتي؟
أوّل مرة كتبتُ فيها على الإنترنت كانت في مجتمع حسوب أي أو، ثم انقطعتُ بعد ذلك وعدتُ للكتابة الرقميّة قبل ثلاث سنوات مع دخولي مجال كتابة المحتوى.
وإليك الآن مراحل رحلتي في حلّ الأحجية كما أراها الآن.
مرحلة ١: عرفتُ طريق الكتابة على الإنترنت وانطلقتُ مع مجتمع حسوب آي أو
أذكر تلك الأيام الجميلة في مجتمع حسوب أي أو، وأنا أكتب بانطلاق ودون تفكير كثير، كلّ ما أفعله هو أن أستنفر تفكيري لأقول ما أعرفه كتابةً، جذبني المجتمع من خلال تفاعل الأعضاء وتقبّلهم لما أكتب، لقد كنت مستمتعة بالكتابة جدًا.
مرحلة ٢: أنشأتُ مدوّنتي وأكّدت لي أنّي كاتبة
شاركتُ في تحدّي التأمّل الذي أجراه مرجع التدوين في مارس ٢٠٢١، وقد ابتدأتُ التّحدّي بتدوينة تحكي عنّي وعن الكتابة التي أخافتني وجعلتني أتأخّر في الكتابة والتدّوين.
في هذه المرحلة كانت التدوينات عبارة عن تأمّلات وخواطر، لكنّها أكّدت لي بأنّي كاتبة؛ فقدت كنت أتفاجأ بتدفّق الكلمات والأفكار، وكأنّي أتعرّف على جانبٍ جديدٍ منّي.
مرحلة ٣: يجب أن أنشر، لكن ماذا أكتب؟
لم يكن يخطر ببالي حينها مسألة أن يكون هناك مجال للمدوّنة، كنتُ أريد فقط أن أستمرّ في الكتابة لأنّني ذُقتُ حلاوة الكتابة والنّشر.
كنت أبحث عن أي موضوع يُبقيني على صلة بالتّدوين؛ ففكّرتُ أن أكتب عن الكتب التي في مكتبتي، لأنها كانت مليئة بالكتب التي لم أقرأها. فقلت لنفسي:
إنّ هذه فكرة جيدة، أصيب من خلالها عصفورين بحجر واحد؛ أقرأ الكتب التي لم أقرأها وتكون مادةً لموضوعات أكتب عنها في مدوّنتي.
فكتبت تدوينتين عن كتاب قراءات ونصوص في الأدب العربي.
لم أستمر على خطّة التدوين حول الكتب وانقطعت عن التدوّين فترة، ثم عدْتُ لأكتب عن أي شيء وكان الـ أي شيء هو الرّياضة والنّادي الذي أذهب إليه فكتبت: في النادي الرياضي(١)، على أمل أن يكون هناك تدوينة تالية.
مرحلة ٤: سأكتب محتوى حول تخصّصي اللغة العربية
بعد أن التحقت بمجتمع رديف قبل سنة تقريبًا رأيتُ أن تكون مدوّنتي عن تخصّصي اللغة العربية؛ فكتبتُ حينها مقالة أشبه بالمحاضرة، ثقيلة بالمعلومات وتصدّ قارءها من أوّل فقرة فيها.
أصررتُ على إنجازها فالتقطتُ جزءًا بسيطًا منها، واجتهدتُ في أن أقدّمها بشكل لطيف يناسب القرّاء الرّقميين، فكانت تدوينة: هل تعلم أن كتابة جمع المذكر السالم قد تُعرّضك للخطر؟ حاولتُ أن أطبّق فيها معايير الكتابة الرقميّة، وكانت أوّل تدوينة أنشرها تقدم معرفة وفائدة.
وبعدها انتقلتُ من المدوّنة المجّانية إلى المدفوعة، فكتبتُ محتفية: كواليس إنشاء مدوّنتي الجديدة، تدوينة لطيفة أنصحك بقراءتها.
مرحلة ٥: سأستهدف الكتّاب وأصحاب الأعمال التجاريّة
بعد نجاحي في تقديم خدمة كتابة المقالات وإدارة مشاريع مدوّنات الأعمال التجارية وصار لديّ مدوّنة مدفوعة، فكان يجب أن أفكّر بجدّية في تحديد توجّه لمحتوى مدوّنتي؛ ففكّرت أن أكتب حول الكتابة للأعمال التجارية.
فكتبتُ وقتها مقالتين؛ الأولى موجّهة للكتّاب بعنوان: اِنتبه من هذه الأخطاء عند كتابة المقالات، والثانية موجّهة لأصحاب الأعمال التجاريّة بعنوان: لماذا يجب عليك أن تبدأ في إنشاء مدوّنة لعملك التجاري؟
هل لاحظت التحوّلات التي حصلت في نظرتي للكتابة وعلاقتي بها؟
مرحلة ٦: أتوجّه الآن للتدريب على كتابة المقالات
وهي المرحلة التي أكتب فيها الآن وأشارككم من خلالها خبرتي وتجربتي في الكتابة، وأظنّ أنّني وصلتُ إلى المرحلة المناسبة من وجهة نظري حتى الآن، ولأنّني أريد أن أمكّن نفسي من هذه المهمّة الجديدة حكمتُ على نفسي بالأعمال الشاقّة الكتابيّة، وقد وضّحت ذلك في تدوينة ٣٠يومًا سأقضيها مع الكتابة في مدوّنتي
هل تظنّ أنّني وصلت لما أريد؟
نعم، وأنا سعيدة جدًا بذلك، لكنّي أتوّقع أنّه مع استمراري في الكتابة سيكون هناك المزيد من الاكتشافات.
عندما أتأمّل في تلك المراحل أرى كيف أنّ ممارستي للكتابة كانت تنقلني من مكان إلى مكان، وكيف أنّي لو ظللتُ أفكّر -فقط دون عمل- في مجال كتابتي وماذا سيكون لما وصلتُ إلى ما أنا عليه الآن.
—————————————————
كانت هذه التدوينة الخاطرة هي التدوينة رقم #٩ من تحدّي ٣٠ يومًا مع الكتابة.
ساعدْني على الاستمرار في التّدوين اليومي بطرح سؤال حول كتابة المقالات وتحريرها واللغة العربية، لأكتب عنه تدوينة.
ولا تنسَ الاشتراك في نشرتي البريدية في الصفحة الرئيسة من المدوّنة.
أراكم غدًا في التدوينة القادمة بإذن الله.